فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال: لما نزلت {زين للناس حب الشهوات} إلى آخر الآية. قال عمر: الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت {قل أؤنبئكم} [آل عمران: 15] الآية كلها.
وأخرج ابن المنذر بلفظ حتى انتهى إلى قوله: {قل أؤنبئكم بخير} [آل عمران: 15] فبكى وقال: بعد ماذا. بعد ما زينتها.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سيار بن الحكم، أن عمر بن الخطاب قرأ {زيِّن للناس} الآية. ثم قال: الآن يا رب وقد زينتها في القلوب.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أسلم قال: رأيت عبدالله بن أرقم جاء إلى عمر بن الخطاب بحلية آنية وفضة فقال عمر: اللهم أنك ذكرت هذا المال. فقلت {زين للناس حب الشهوات} حتى ختم الآية وقلت {لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 23] وإنا لا أستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم فاجعلنا ننفقه في حق، وأعوذ بك من شره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {زين للناس} الآية. قال من زينها؟ ما أحد أشد لها ذمًا من خالقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله تعالى عنه في قوله: {زين للناس} الآية. قال: زين لهم الشيطان.
قوله تعالى: {من النساء}.
أخرج النسائي وابن أبي حاتم والحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة».
قوله تعالى: {والقناطير المقنطرة}.
أخرج أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار اثنا عشر ألف أوقية».
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {والقناطير المقنطرة} قال: «القنطار ألف أوقية».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار ألف دينار».
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية».
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار ألف ومائتا دينار».
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية بعث من القانتين، ومن قرأ خمسمائة آية إلى ألف آية أصبح له قنطار من الأجر، والقنطار مثل التل العظيم».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال: القنطار ألف ومائتا أوقية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: القنطار ألف ومائتا أوقية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة مثله.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: القنطار اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: القنطار ألف ومائتا دينار من الفضة وألف ومائتا مثقال.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: القنطار ملء مسك الثور ذهبًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر، أنه سئل ما القنطار؟ قال: سبعون ألفًا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: القنطار سبعون ألف دينار.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب قال: القنطار ثمانون ألفًا.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: القنطار مائة رطل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أن القنطار مائة رطل من الذهب، أو ثمانون ألفًا من الورق.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {والقناطير} قال: أما قولنا أهل البيت فانا نقول: القنطار عشرة آلاف مثقال، وأما بنو حسل فإنهم يقولون: ملء مسك ثور ذهبًا أو فضة. قال: فهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول:
وكانوا ملوك الروم تجبى إليهم ** قناطيرها من بين قل وزائد

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال: {القنطار} خمسة عشر ألف مثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطًا.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {القناطير المقنطرة} يعني المال الكثير من الذهب والفضة.
وأخرج عن الربيع {القناطير المقنطرة} المال الكثير بعضه على بعض.
وأخرج عن السدي {المقنطرة} يعني المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم.
قوله تعالى: {والخيل المسوّمة}.
أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {والخيل المسوّمة} قال: الراعية. وأخرجه ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس {والخيل المسوّمة} يعني معلمة.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس {والخيل المسوّمة} يعني معلمة.
وأخرج ابن أبي حاتم من الطريق عكرمة عن ابن عباس قال: {الخيل المسوّمة} الراعية والمطهمة الحسان. ثم قرأ {شجر فيه تسيمون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {والخيل المسوّمة} قال: المطهمة الحسان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: تسويمها حسنها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول {والخيل المسومة} قال: الغرة والتحجيل.
أما قوله تعالى: {ذلك متاع الحياة الدنيا}.
أخرج مسلم وابن أبي حاتم عن ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {والله عنده حسن المآب} قال: حسن المنقلب. وهي الجنة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (15):

قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ الله وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه وتعالى ما أوجب الإعراض عن هذا العرض فكان السامع جديرًا بأن يقول فعلًا أقبل؟ أمر سبحانه وتعالى أقرب الخلق إليه وأعزهم لديه بجوابه لتكون البشارة داعية إلى حبه فقال: {قل} أي لمن فيه قابلية الإقبال إلينا، ولما أجرى سبحانه وتعالى هذه البشارة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لتقوم الحجة على العباد بحاله كما تقوم بمقاله من حيث أنه لا يدعو إلى شيء إلا كان أول فاعل له، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، لإيثاره الغائب المسموع من بناء الآخرة على العاجل المشهود من أثر الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه حين أشفق عليه من تأثير رمال السرير في جنبه فذكر ما فيه فارس والروم من النعيم: «أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» شوق إليها بالاستفهام في قوله: {أؤنبئكم بخير من ذلكم} أي الذي ذكر من الشهوات، وعظمه بأداة البعد وميم الجمع لعظمته عندهم والزيادة في التعظيم ما يرشد إليه، ثم استأنف بيان هذا الخير بقوله: {للذين اتقوا} أي اتصفوا بالتقوى فكان مما أثمر لهم اتصافهم بها أن أعرضوا عن هذه الشهوات من حيث إنها شهوات وجعلوها عبادات واقية لهم من عذاب ربهم، فتلذذوا بالنساء لا لمجرد الشهوة بل لغض البصر من الجانبين وابتغاء ما كتب لهم من الولد إنفاذًا لمراد ربهم من تكثير خلائفهم في الأرض للإصلاح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ونحو ذلك وفرحوا بالبنين لا لمجرد المكاثرة بل لتعليمهم العلم وحملهم على الذكر والجهاد والشكر وأنواع السعي في رضى السيد، وحازوا النقدين لا للكنز، بل للإنفاق في سبيل الخيرات، وربطوا للجهاد، لا للفخر والرئاسة على العباد بل لقمع أولياء الشيطان ورفع أولياء الرحمن المسلتزم لظهور الإيمان، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم متشابه اقتنائها فقال: «وهي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر».
ثم عظم سبحانه وتعالى ما لهم بقوله مرغبًا بلفت القول إلى وصف الإحسان المقتضي لتربية الصدقات وغيرها من الأعمال الصالحات: {عند ربهم} أي المحسن إليهم بلباس التقوى الموجب لإيثارهم الآخرة على الدنيا، وقوله: {جنّات} مرفوع بالابتداء، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف إذا كان وللذين، متعلقًا بخير، ثم وصفها بقوله: {تجري من تحتها الأنهار} أي أن ماءها غير مجلوب، بل كل مكان منها متهيئ لأن ينبع منه ماء يجري لتثبت بهجتها وتدوم زهرتها ونضرتها، ثم أشار بقوله: {خالدين فيها} إلى أنها هي المشتملة على جميع الإحسان المغنية عن الحرث والأنعام، وأن ذلك على وجه لا انقطاع له.
قال الحرالي: وفي معنى لفظ الخلود إعلام بسكون الأنفس إليها لما فيها من موافقتها انتهى.
ولعله إنما خص من بين ما تقدم من الشهوات ذكر النسوان في قوله: {وأزواج} لأنها أعظم المشتهيات، ولا يكمل التلذذ بها إلا بحصول جميع ما يتوقف ذلك عليه، فصار ذكرهن على سبيل الامتنان من القادر كناية عن جميع ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
ولما كانت التقوى حاملة على تطهير الأنفس من أوضار الأدناس من الأوصاف السيئة وكان الوصف بالمفرد أدل على أنهن في أصل الطهارة كأنهن نفس واحدة قال عادلًا عما هو الأولى من الوصف بالجمع لجمع من يعقل: {مطهرة} لأنهن مقتبسات من أنفسهم {خلق لكم من أنفسكم أزواجًا} [الروم: 31].
ولما ذكر حظ البدن قرر لذة هذا النعيم بما للروح، وزاده من الأضعاف المضاعفة ما لا حد له بقوله: {ورضوان} قال الحرالي: بكسر الراء وضمها، اسم مبالغة في معنى الرضى، وهو على عبرة امتلاء بما تعرب عنه الألف والنون وتشعر ضمة رائه بظاهر إشباعه، وكسرتها بباطن إحاطته- انتهى.
ولما جرى وعد الجنات على اسم الربوبية الناظر إلى الإحسان بالتربية فخم أمر هذا الجزاء وأعلاه على ذلك بنوطه بالاسم الأعظم فقال: {من الله} أي المحيط بصفات الكمال.
ولما كان شاملًا لجميعهم وكان ربما ظن أنهم فيه متساوون أشار إلى التفاوت بقوله مظهرًا في موضع الإضمار إشارة إلى الإطلاق عن التقييد بحيثية ما: {والله} أي الذي له الحكمة البالغة {بصير بالعباد} أي بنياتهم ومقادير ما يستحقونه بها على حسب إخلاصها، وبغير ذلك من أعمالهم وأقوالهم وسائر أحوالهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ}.
استئناف بياني، فإنه نشأ عن قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 14] المقتضي أن الكلام مسوق مساق الغض من هذه الشهوات. وافتتح الاستئناف بكلمة {قُلْ} للاهتمام بالمقول، والمخاطب بقل النبي صلى الله عليه وسلم. والاستفهام للعرض تشويقا من نفوس المخاطبين إلى تلقي ما سيقص عليهم كقوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10] الآية. اهـ.

.قال الفخر:

ذكروا في متعلق الاستفهام ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون المعنى: هل أؤنبئكم بخير من ذلكم، ثم يبتدأ فيقال: للذين اتقوا عند ربهم كذا وكذا.
والثاني: هل أؤنبئكم بخير من ذلاكم للذين اتقوا، ثم يبتدأ فيقال: عند ربهم جنّات تجري.
والثالث: هل أنبئكم بخير من ذلاكم للذين اتقوا عند ربهم، ثم يبتدى فيقال: جنّات تجري. اهـ.
قال الفخر:
في وجه النظم وجوه:
الأول: أنه تعالى لما قال: {والله عِندَهُ حُسْنُ المأب} [آل عمران: 14] بيّن في هذه الآية أن ذلك المآب، كما أنه حسن في نفسه فهو أحسن وأفضل من هذه الدنيا، فقال: {قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذلكم} الثاني: أنه تعالى لما عدد نعم الدنيا بين أن منافع الآخرة خير منها كما قال في آية أخرى {والأخرة خَيْرٌ وأبقى} [الأعلى: 17] الثالث: كأنه تعالى نبّه على أن أمرك في الدنيا وإن كان حسنًا منتظمًا إلا أن أمرك في الآخرة خير وأفضل، والمقصود منه أن يعلم العبد أنه كما أن الدنيا أطيب وأوسع وأفسح من بطن الأم، فكذلك الآخرة أطيب وأوسع وأفسح من الدنيا. اهـ.

.قال ابن عادل:

قرأ نافعُ وابنُ كثير وأبو عمرو بتحقيق الأولى، وتسهيل الثانية، والباقون بالتحقيق فيهما، ومَد هاتَيْن الهمزَتَيْن- بلا خلاف- قالون عن نافع، وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر بخلاف عنهما والباقون بغير مدّ على أصولهم من تحقيق وتسهيل.
وورش على أصله من نقل حركة الهمزة الأولى إلى لام قُلْ.
ولابد من ذكر اختلاف القراء في هذه اللفظة وشبهها، وتحرير مذاهبهم؛ فإنه موضع عسير الضبط، فنقول: الوارد من ذلك في القرآن الكريم ثلاثة مواضع- أعني همزتين، أولاهُمَا مفتوحةُ، والثانية مضمومة- الأول: هذا الموضع.